الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
لقد فرض الله فرائض متعددة وواجبات متنوعة لتزكو النفوس وتتطهر القلوب, قال تعالى: }قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى{.
وهذه الفرائض منها ما هو على مستوى اليوم والليلة كالصلاة, ومنها ما هو على مستوى السنة كالصيام, ومنها ما هو على مستوى العمر كله كالحج والعمرة.
وشهر رمضان يستقبله المسلمون في كل عام, حيث تستقبله المعمورة كلها رجالاً ونساءً تفرح به القلوب المؤمنة وتسعد به النفوس المسلمة شعارها:
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام
يا حبيبا زارنا في كل عام
قد لقيناك بحب مفعم
كل حب في سوى المولى حرام
فاقبل اللهم ربي صومنا
ثم زدنا من عطاياك الجسام
والصيام دروسه عظيمة, وفوائده كثيرة, إيمانية وأخلاقية واجتماعية, منها أنه دليل على صدق الإيمان, قال تعالى مصدراً آية الصيام بالإيمان: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام", كذلك تحقيق الإخلاص حيث إن الإخلاص قضية غيبية بين العبد وربه, والصيام يحقق ذلك ويربي عليه, قال تعالى في الحديث القدسي: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به", ومنها ترك المعاصي حيث يربي الصيام الفرد المسلم على ترك المعاصي, قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون", والتقوى ترك المعاصي, قال الشاعر:
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
وقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه", فجعل الصوم من أسباب صيانة المسلم من المعاصي, بل إن ترك الأكل الحلال والمشرب الحلال والوطء الحلال من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تربية على ترك المأكل الحرام والمشرب الحرام والوطء الحرام, ومن فوائد الصيام بيان يسر الشريعة, قال تعالى في آيات الصيام: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر", ويظهر يسر الشريعة في تصدير آيات الصيام بلفظ شريف وهو الإيمان قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا", وبيان أن فرض هذا الصيام على جميع الأمم حتى يسهل على النفس القيام به, قال تعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم", وفي بيان أثر الصيام وفائدته, قال تعالى: "لعلكم تتقون", أن الله جعله أياما قليلة, قال تعالى: "أياماً معدودات", فرمضان ثلاثون أو تسعة وعشرون يوماً ولم يجعله الدهر كله, بل نهى الدين عن صيام الدهر كله, الإفطار عند الحاجة في هذه الأيام المعدودة كالمسافر والمريض, قال تعالى: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر", والإفطار للكبير والمريض مرضاً لا يرجى زواله مع الإطعام عن كل يوم, قال تعالى: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين".
وتعليق صيام رمضان برؤية الهلال بالعين المجردة قال تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه", وإباحة إتيان الرجل أهله في ليالي رمضان حيث كان محرماً, قال تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم, هن لباس لكم وأنتم لباس لهن, علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم, فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم.
وفي تحديد وقت الصيام, قال تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل", ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال بل إن الأمم السابقة كانت تواصل الصيام إذا لم تفطر في وقت الغروب إلى اليوم التالي, والصائم عندما يحس بألم الجوع يتذكر نعمة الله عليه من الطعام والشراب وغيرها لذا كان الدعاء عند الفطر: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله".
والصيام يحافظ على صحة القلب والجسد, ومن ذلك الصيام, حيث قال رسول الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا", وهذا الحديث حوله خلاف من ناحية صحته وضعفه ولكن يذهب بعضهم إلى تحسينه.
والواقع يشهد على أثر الصيام الصحي في كثير من الأمراض ومنها مرض السكر والقرحة والسرطان وغيرها, والإعجاز العلمي في القرآن والسنة وما صدر عن هيئته التابعة لرابطة العالم الإسلامي أكبر شاهد على ذلك.
تذكر الفقراء
الصيام رسالة لكل مسلم, حيث يقول يا من آلمه الجوع شهراً, إعلم أن هناك إخوة لك يتألمون جوعاً الدهر كله فتذكرهم بمد يد العون والمساعدة لهم, قال صلى الله عليه وسلم: "من فطر صائماً كان له مثل أجره", ولذلك نجد أن كثيراً من الناس يجعل زكاته في رمضان رغبة في زيادة الأجر وتذكر أهل الفقر, كما أن الصوم يربي على الأخلاق الفاضلة, فالعبادات تربي على حسن السلوك وسلامة الأعمال ودماثة الأخلاق ومنها رمضان, حيث يربي على كل خلق جميل, ومن ذلك التربية على الحلم وعدم الغضب, قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم", وفي رمضان تتغير القلوب حيث تقبل على الطاعات وترك المنكرات وتتسابق في الخير, وهذا دليل على أثر العبادات في تغيير السلوك إلى الأفضل حيث ترى كثرة المصلين لجميع الصلوات وقراءة القرآن والإنفاق في سبيل الله, قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النيران ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.