عندما كنت صغيرة سببت لأبي وأمي نوع من القلق والتوجس حول قواي العقلية .. حيث كنت أكلّم الجمادات وأحكي لهم حكايات وقصص سندريلا والاميرة النائمة وبياض الثلج ... وكنت أتكلم مع الجمادات وكأنهم أشخاص حقيقين ، مما اضطر اسرتي للذهاب بي الى طبيب لاستقصاء الامر ... وردّ الطبيب عافاه الله .. أنّي لست مريضة وأن تصرّفي هذا دليل الذكاء والخيال الخصب وأنّ هذه الحالة طبيعية ستزول مع وجود أصدقاء في المستقبل حيث يتم الحوار وتبادل الافكار ... وأعطتني أسرتي البديل بكتب وقصص صغيرة حتى باتت القراءة والمطالعة جزء مني ... ورغم ذلك لم أستطع التخلّي عن هذه العادة ... وكان لديّ آنذاك لعبة " النمر الوردي " كبيرة نوعاَ ما وصار هذا النمر رفيقي الذي لازمني فترة طفولتي ومراهقتي وشبابي ... لاأستطيع النوم دون أن يكون في حضني ولاأستطيع الأكل دون أن أكون ممسكة به وكنت أحدّثه دوماَ عمّا يتعبني ويفرحني دون الشعور بالخيبة وهو ينظر اليّ تلك النظرة البلهاء التي رسمها الرسامون على وجهه ... كان يعرف أدقّ تفاصيل حياتي من لون عيني حبيبي الى عذاباتي الصغيرة بغدر أصدقائي الى حنقي وحقدي على مدّرس القومية والتاريخ ... وكم كنت أعاني عندما كنت أذهب بعد تخرجي لأقضي معسكراَ خارج بلدتي ...وكثيراَ ما اعتذرت له عن ابتعادي القسري ... فقد كنت أشعر بالحرج وأنا مهندسة وكبيرة من حمله معي الى هذه الاماكن ... وكنت أكوّر المخدات والشراشف فأحصل على شئ بحجمه أستطيع من خلالها النوم .... وكانت معاناتي كبيرة وأنا في ذاك المكان المظلم داخل جدران السجن حيث لاأحد يصغي الى ترهاتي الصغيرة .. ولافرو يدفئ جسدي .. ولا نظرة بلهاء صامتة تشاركني أحلامي ...
وعند خروجي كان أول ما فعلته هو ضمّه الى صدري وكأني كنت أفتقد حبيباَ أو صديقاَ طال بعده عني ...
وسافرت ... وعند سفري أصرّت أمي الاحتفاظ بالنمر الوردي لأنه الذكرى الوحيدة التي لازمتني سنوات عمري ... وكنت أعرف في قرارة نفسي أنّ أمي تريدني الانفصال عنه كما كانت تحاول دوماَ ... ولم أبخل على أمي بهذه الامنية وأنا على آخر خط من خطوط الوطن ... وبكيت بشدّة ... بكيته ...وبكيت الوطن ...أحسست فجأة أنهم قد حرموني من طفولتي ومتعلقاتي وقصصي الصغيرة المتناثرة على ذلك الوجه الحزين والنظرة البلهاء ...
الآن ... أضمّ ابنتي الصغيرة بنفس القوة التي كنت أضمّه فيها يوماَ... وأحكي لها الحكايات بنفس الطريقة ..وعندما أكلّمها عن جنوني وأنظر الى عينيها وأحس بنظرة بلهاء لكلمات لم تستوعبها أضحك وأضحك بفرح حقيقي ... اذ أنني مع صديق جديد أمارس طفولتي معه من جديد ...خسرت جماداَ ... وكسبت روحاَ ...
........
عدت منذ فترة قريبة الى بلدي بعد غياب دام عشر سنوات ... وأول ما طالعني في غرفة أمي كان النمر الوردي مشنوقاَ ومعلقاَ بمسمار من رقبته على الحائط وقد أصبح لونه قاتماَ ... وما زالت النظرة البلهاء على وجهه ....وخيّل اليّ أنه يبتسم قائلاَ : كلّ الطيور المهاجرة سوف تعود يوماَ ..................
أصدقائي :
لكلّ انسان طقوس وعادات وأشياء ومتعلقات صغيرة تلازمه ... يشعر بالضياع لعدم وجودها في حياته
قد يتعلق شخص بمخدّة لايستطيع النوم الاّ عليها
وقد يتعلّق شخص بأدوات معينة يشعر بالضياع من دونها
قد يتعلق بقطة ... بكلب ... بلعبة .. بقلم .. بكتاب .. بذكرى ..
ما هي الاشياء التي تعتبرونها جزءَ منكم ولاتستطيعون الاستغناء عنها الاّ بصعوبة ...
ما هي أشيائكم المحببة ..
.لنلتقي دوماَ على المحبة ....